خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023 م بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 22 شوال 1444هـ ، الموافق 12 مايو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023 م بعنوان :
أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا، للدكتور محروس حفظي :
(1) أسماءُ اللهِ الحُسنَى بينَ الإحصاءِ والعملِ بهَا.
(2) اسمُ اللهِ “القديرِ”، وما يحملُهُ مِن دلالاتٍ ومعانٍ.
(3) اسمُ اللهِ “الوهابِ”، وما يسوقُهُ للعبدِ مِن مُبشراتٍ ومحفزاتٍ.
(4) اسمُ اللهِ “الرقيبِ”، و”السميعِ والبصيرِ والعليمِ” وما يحملُهُ مِن دلالاتٍ ومقاصدَ ساميةٍ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 مايو 2023 م بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «أسماءُ اللهِ الحسنَى وأثرُ فهمِهَا في حياتِنَا»
بتاريخ 22 شوال 1444 هـ = الموافق 12 مايو 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا
(1) أسماءُ اللهِ الحُسنَى بينَ الإحصاءِ والعملِ بهَا.
إنَّ أسماءَ اللهِ – عزّ وجلّ – كثيرةٌ قالَ ربُّنَا: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (متفق عليه) .
قالَ بعضُ العلماءِ:
ليس المرادُ بالإحصاءِ عدَّهَا فقط؛ لأنّه قد يعُدُّهَا الفاجرُ، وإنَّما المرادُ كما قَالَ الْخَطَّابِيُّ: “الْإِحْصَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعُدَّهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا لَكِنْ يَدْعُو اللَّهَ بِهَا كُلَّهَا وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِجَمِيعِهَا فَيَسْتَوْجِبُ الْمَوْعُودَ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ .
ثَانِيهَا: مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ مَعَانِيَهَا فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ بِوَاجِبِهَا فَإِذَا قَالَ الرَّزَّاقُ وَثِقَ بِالرِّزْقِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَسْمَاءِ .
ثَالِثُهَا: الْإِحَاطَةُ بِمَعَانِيهَا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ فُلَانٌ ذُو حَصَاةٍ أَيْ ذُو عَقْلٍ وَمَعْرِفَةٍ) أ.ه(فتح الباري 11/225).
فالخلاصةُ أنَّ المرادَ مِن الحديثِ أنْ يحفظَهَا وأنْ يعملَ بهَا في كلِّ أحوالِهِ، ويطبقَهَا في حياتهِ اليوميةِ، وأنْ نستشعرَ مقاصدَهَا وأهدافَهَا، ونحققَ غاياتِهَا؛ لتكونَ حركةُ الإنسانِ على أنوارِهَا وهديِهَا فيعمَّ الخيرُ والصلاحُ، ولذا وجهنَا ربُّنَا – عزّ وجلّ – أنْ ندعوهُ بها فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ:
«بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» (أحمد، وابن حبان) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا
(2) اسمُ اللهِ “القديرِ”، وما يحملُهُ مِن دلالاتٍ ومعانٍ.
وردَ لفظُ “القادرِ” “12” مرةً، خمسٌ منها بصيغةِ الجمعِ، ووردَ اسمُ اللهِ “القدير” “45” مرةً في سورٍ متعددةٍ مِن القرآنِ الكريمِ
وأمَّا لفظُ “المقتدرِ” فقد وردَ “أربعَ مراتٍ”
والقديرُ: هو الذي يتوَلّى تنفيذَ المقاديرِ، ويخلقُهَا على ما جاءَ في سابقِ التقديرِ على غيرِ مثالٍ سابقٍ، قالَ ربُّنَا:
﴿اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾، ومِن كمالِ قدرتهِ ونافذِ مشيئتهِ أنَّهُ يقلبُ الأضدادَ ويسلبُهَا خصائصَهَا ومؤثراتِهَا، كرامةً منهُ -عزّ وجلّ- لبعضِ عبادهِ، وإذا اجتهدَ الإنسانُ بالأعمالِ الصالحةِ فإنّ ربَّهُ يُسخرُ لهُ المخلوقات، ويغيرُ أحوالَهَا بقدرتهِ، فيجعلَ النافعَ ضارًّا بقدرتهِ، كما جعلَ الماءَ الذي هو سببُ الحياةِ سببًا لهلاكِ فرعونَ، وسببًا لنجاةِ موسَى في آنٍ واحدٍ في مكانٍ واحدٍ قالَ ربُّنَا: ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾، كما جعلَ – سبحانَهُ – النارَ بردًا وسلامًا على إبراهيمَ -عليهِ السلام-﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾.
لقد قرنَ اللهُ في كتابهِ الكريمِ بينَ سننهِ في تصريفِ شئونِ كونهِ، وسننهِ في تصريفِ شئونِ خلقهِ؛ ليربِّي أهلَ الإيمانِ على طلاقةِ قدرتهِ في كونهِ وخلقهِ، وأنَّ القادرَ على تدبيرِ الكونِ بحكمتهِ، هو القادرُ على تدبيرِ أمورِ خلقهِ بحكمتهِ وعدلهِ، لذا يجبُ على المؤمنِ أنْ يعتقدَ اعتقادًا جازمًا لا يزعزعهُ الشكُّ والريبةُ أنّه لا يقدرُ على العطاءِ إلّا اللهٌ فمهمَا بلغتْ قدرتُه، وعظمتْ أسبابٌه يظلُّ مفتقرًا إلى مولاه – تعالى– ولذا حينَ يتمسكُّ الإنسانُ بالأسبابِ، وينسَى قدرةَ اللهِ على الإعطاءِ والهبةِ فإنَّه يُتركُ ليتفاعلَ مع الأسبابِ التي اعتقدَ أنَّها قد أعطتهُ، فيكونَ مصيرَهُ الهلاكُ والبوارُ والخسرانُ.
إنَّ المؤمنَ الحقَّ لا يغترُّ بجاههِ أو مالهِ أو قدرتهِ، بل يتبرأُ مِن حولهِ وقوتهِ، ويسألُ اللهَ العونَ في أمورهِ؛
فقدرتهُ نافذةٌ، ومشيئتهُ واقعةٌ ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾، المؤمنُ إذا حارَ بينَ أمرينِ لا يدرِي ما الخيرُ لهُ فيهمَا استخارَ الله،َ وسألَهُ بقدرتهِ وعلمهِ أنْ يختارَ لهُ الأحسنَ فقالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ” (البخاري)، وإذا شكَا وجعًا وألمًا علمَ أنَّ اللهَ قادرٌ على أنْ يُذهبَ وجعَهُ، وأنْ يُسكنَ ألمَهُ؛ فيضعَ يدَهُ على مكانِ الوجعِ ويقول: «بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» (مسلم)، فالمسلمُ مأمورٌ دائمًا أنْ يتذكرَ قدرةَ اللهِ في كلِّ أحوالهِ وشؤونهِ، ولذا قالَ نبيُّنَا ﷺ لأَبِي هُرَيْرَةَ:
“أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ, لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ, فيَقُولُ الله: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ” (أحمد)، أمّا المُنْعَمُ عليهِ الذي أخذَ ظاهرَ الأشياءِ دونَ حقيقتِهَا وهي طلاقةُ القدرةِ التي أعطتْ ومنعتْ، وبسطتْ وقبضتْ، فهو أبعدُ عن فقهِ وذوقِ ذلك، وما أصدقَ القائلُ:
وَكَمْ للهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيٍّ … يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
إِذَا ضَاقَتْ بِكَ الأَسْبَابُ يَوْمًا … فَثِقْ بِالْوَاحِدِ الأَحَدِ الْعَلِيِّ
وتعطيتكَ السنةُ درسًا عمليًّا في بيانِ قدرةِ اللهِ عزّ وجلّ حين توضأَ النبيُّ ﷺ في الحديبيةِ مِن إناءٍ، فجهشَ الناسُ مِن شدةِ العطشِ، فماذا فعلَ اللهُ لإرواءِ رسولهِ والمؤمنين معه؟ فعن جابرٍ قالَ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقال: مَا لَكُمْ؟ قالوا:
لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأ وَلا نَشْرَبُ إِلا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أصَابِعِهِ كَأمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قال:
“لَوْ كُنَّا مِائَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً» (متفق عليه) فمتى نستفيدُ مِن قدرةِ اللهِ؟ ومتى نستفيدُ مِن خزائنهِ؟!
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا
(3) اسمُ اللهِ “الوهابِ”، وما يسوقُهُ للعبدِ مِن مُبشراتٍ ومحفزاتٍ.
الوهابُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ – عزَّ وجلَّ -الحُسنَى، حيثُ يقولُ – سبحانَهُ- معلمًا لنَا كيفَ ندعوهُ: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، فالدعاءُ هدايةٌ، ويقولُ جلّ شأنُهُ: “أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ”،
وهو الذي وهبَ الولدَ لسيدِنَا إبراهيمَ – عليه السلام-، وقد بلغَهُ الكبرُ فقالَ ربُّنَا: “وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”، ذلك أنَّ إبراهيمَ -عليه السلام – عندما دعا ربَّهُ أنْ يهبَ لهُ مِن الصالحين، ورزقَهُ الولدَ وجاءتْ البشرَى، كانتْ امرأةُ سيدِنَا إبراهيمَ – عليه السلام- قائمةً كما حكَى القرآنُ الكريمُ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ:
” وامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ”، لكن ما هو عجيبٌ عندَ الخلقِ ليسَ بعجيبٍ على قدرةِ الخالقِ: “قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ”.
وهذا سيدُنَا زكريّا – عليه السلام – يدعو ربَّهُ – عزَّ وجلَّ- كما حكَى القرآنُ الكريمُ:
“قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا”
كلُّ سببٍ مِن هذه الأسبابِ قد يدعُو صاحبَهُ إلى اليأسِ لكنْ سيدُنَا زكريّا لم ييأسْ ودعَا: “فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا”، وهنا تأتِي الإجابةُ: “وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ”، فيا مَن أعيتْكَ الحيلُ، وأتعبتْكَ السبلُ، إقرعْ بابَ مولاك، وثقْ بهِ، وخُذْ بالسببِ، وتوكلْ عليه، وللهِ درُّ القائلِ:
إِنَّ الأُمُورَ إِذَا مَا اللهُ يَسَّرَهَا … أَتَتْكَ مِنْ حَيْثُ لا تَرْجُو وَتَحْتَسِبُ
وَكُلُّ مَا لَمْ يُقَدِّرَهُ الإِلَهُ فَمَا … يُفِيدُ حِرْصُ الْفَتَى فِيهِ وَلا النَّصَبُ
ثِقْ بِالإِلَهِ وَلا تَرْكَنُ إِلَى أَحَدٍ … فَاللهُ أَكْرَمُ مَنْ يُرْجَ وَيُرْتَقَبُ
فإنْ كنتَ عقيمًا لا تنجب فلا تيأسْ والجأْ إلى الذي قالَ في محكمِ التنزيلِ:
“يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”
وإنْ كنتَ فقيرًا فالجأْ إلى الوهابِ، وإنْ كنتَ مريضًا فالجأْ إلى الشافِي الوهابِ ربِّ العزةِ -عزّ وجلّ – .
إنَّه اللهُ لا أحدَ سواهُ العاطِي المعطِي الغنيُّ المغنِي الوهابُ الحقيقيُّ الذي يُعطِي بغيرِ حسابٍ، وسعَ الخلقَ جودهُ، واتصلتْ منهُ عوائدهُ، وأكثرُ الخلقِ إنّما يهبّونَ مِن أجلِ عوضٍ ينالونَهُ، أمّا ربُّ العزةِ فهو المتفضلُ على الخلقِ بالعطاءِ، وهو المستحقُّ الشكرَ لذاتهِ، والحمدَ والتقديسَ لذاتهِ.
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أسماء الله الحسنى وأثر فهمها في حياتنا
(4) اسمُ اللهِ “الرقيبِ”، و”السميعِ والبصيرِ والعليمِ” وما يحملُهُ مِن دلالاتٍ ومقاصدَ ساميةٍ.
بالتأملِ في معاني اسمِ اللهِ – عزّ وجلّ-“الرقيبِ” ندركُ ونعلمُ أنَّ ربَّنَا – سبحانِهُ – رقيبٌ على خلقهِ، فمراقبةُ اللهِ في السرِّ والعلنِ هي التي جعلتْ بنتَ بائعةِ اللبنِ في زمنِ سيدِنَا عمرَ رضي اللهُ عنهُ تمتنعُ عن خلطِ اللبنِ بالماءِ ففِي ذاتِ ليلةٍ خرجَ مع خادمهِ -أسلمَ- ليتفقدَ أحوالَ المسلمين في جوفِ الليلِ، وفى إحدَى الطرقِ جلسَ ليستريحَ، فإذا بهِ يسمعُ امرأةٌ تقولُ: قُومِي إلى ذلك اللبنِ فامذقيهِ – أي اخلطيهِ – بالماءِ، فقالتْ الابنةُ: يا أُمَّاهُ، وما علمتِ ما كان من عَزْمَةِ أميرِ المؤمنين اليوم؟!، قالتْ الأمُّ:
وما كان مِن عزمتهِ؟، قالتْ: إنّه أمرَ مناديًّا فنادَى: لا يُشَابُ اللبنُ بالماءِ، فقالتْ الأمُّ: يا بُنيتِي، قُومِي إلى اللبنِ فامْذقيهِ بالماءِ فإنّكِ في موضعٍ لا يراكِ عمرُ، ولا منادِى عمرَ، فقالتْ الصبيَّةُ: واللَّهِ ما كنتُ لأطيعهُ في الملأِ وأعصيه في الخلاءِ، إنْ كان عمرُ لا يرانَا، فربُّ أميرِ المؤمنين يرانَا، فبعثَ إلى الجاريةِ فزوّجَهَا مِن عاصم، فولدتْ لعاصمٍ بنتًا، ولدتْ هذه البنتُ ابنة صارتْ أُمًّا لـ “عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ”، خامسِ الخلفاءِ الراشدين رضى اللَّهُ عنه .
فاسمُ الرقيبِ عندمَا يتستشعرهُ العبدُ يتعففُ عن فعلِ وأكلِ الحرامِ فيمدُّهُ اللهُ بالحلالِ مطعمًا ومشربًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ:
«لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ» (الترمذي).
ومِن أسمائهِ – عزّ وجلّ – “السميعُ البصيرُ والعليمُ”
فعندمَا يعلمُ العبدُ بأنّ اللهَ سميعٌ بصيرٌ، يسمعُ السرَّ وأخفَى، السرّ عندُهُ كالعلانيةِ، يسمعُ دبيبَ النملةِ السوداء على الصخرةِ الصماء، يسمعُ دعاءَكَ وتضرعَكَ، ولا يخفَى عليهِ حالُكَ قالَ تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، يسمعُ كلَّ الأصواتِ، فلا تختلفُ عليهِ الأصواتُ ولا تتشابهُ ولا تتداخلُ مهمَا اختلفتْ اللغاتُ والأصواتُ
وإذا علمتَ بأنَّ اللهَ سميعٌ، فلا تسمعُ إلّا مَا يحبُّ، وتستشعرُ اطلاعَهُ وسماعَهُ لك في كلِّ وقتٍ وحينٍ
وهو سبحانَهُ عليمٌ بمَا كانَ وما يكونُ، وبما لم يكنْ لو كانَ كيفَ يكونُ، عليمٌ بالسرِّ والعلانيةِ
عليمٌ بمَا في الصدورِ والخواطرِ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾، عليمٌ بمَا تُكنهُ للآخرينَ مِن خيرٍ أو شرٍّ، عليمٌ بمخلوقاتهِ صغيرِهَا وكبيرِهَا؛ يقولُ ربُّنَا عن نفسهِ:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾
فاستشعرْ هذه الأسماءَ مجتمعةً، وتذكرْهَا في أحوالِكَ تجدْ راحةً وطمأنيةً وتغييرًا في أمورِكَ كلِّهَا .
أخي الحبيب:
إنّ الناظرَ في القرآنِ الكريمِ حينمَا يمرُّ على أسماءِ اللهِ وصفاتهِ ويتفكرُ في معانيهَا ومراميهَا وأسرارِ ورودِهَا في سياقِ الآياتِ ليدركَ أنّ اللهَ يريدُ مِن وراءِ ذلك أنْ يصبغَ الإنسانُ حياتَهُ وفقَ إيحاءاتِ الأسماءِ الحُسنَى، ولا يجنح إلى اجتزاءِ المعانِي بل يحيطُ بها إحاطةً شاملةً وإلّا لِمَا كان لذكرِهَا فائدةٌ، وهذا عبثٌ يتنزَّهُ عنهُ ربُّنَا – سبحانَهُ
وقد تنوعتْ تلك الأسماءُ
منها ما جاءَ في سياقِ البشارةِ والتشويقِ
ومنها ما جاءَ في سياقِ النذارةِ والتهديدِ والوعيدِ
وهذا يجعلُ العبدَ يوازنُ في خطابهِ بينَ الترغيبِ والترهيبِ
فلا يطغَى أحدهُمَا على الآخرِ حتى تؤتِي دعوتُهُ أُكلهَا فيجنِي خيرَهَا، ويجتنبَ مزالقَهَا وشرَّهَا
ويجعلُ العبدَ أيضًا بينَ مقامِ الخوفِ والرجاءِ في عبادتهِ وطاعتهِ
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ .
اللهُمّ إنّا نسألُكَ أنْ تحفظَ دينَنَا الذي هو عصمةُ أمرِنَا
ودنيانَا التي فيها معاشُنَا
وآخرتَنَا التي إليهَا مردُّنَا
وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً
أمنًا أمانًا
سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين
وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر بأسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف